الثلاثاء، 9 يونيو 2015

ثُقبٍ يتسللُ منهُ النور . #نص

صعدتُ مبنى عالٍ في حيٍّ لم يرى النورَ يوماً ، أقصدُ الإهتمام .
و في ظلمةِ الليلِ التي غرقَ بها ، بلا مصابيحَ تُسعفُهُ مِنه .
كنتُ أنظرُ إلى ظلالِ الأجسامِ حينَ صنعتها العتمة ؛ لتجعلَ من نفسها أكثرَ وِحشَةً و إخافة!
أنظرُ ، أُحدِق ؛ لعلي أخشى شيئاً فأتركُ المكان ، أو لعلِّي أستوشحهُ فأُغادر ..
لكنني بقيت ..
ليسَ لشيءٍ سوى أن صديقاً دعانِي إلى هُنا ، ومن السوءِ أن أرحل .
عموماً .. مالأمرُ مع هذا المكان ؟ لما أحضرني إلى هُنا ؟
لستُ أعلم ، لكنني سوفَ أفعل حينَ يأتي .
كانَ قد قالَ لي أن أسبقَهُ إلى الأعلى ، ريثما هو يحضرُ شيئاً من السيارة ..
ذهبتُ إلى حائطٍ ما لأستندَ عليه ، أخرجتُ من جيبي سيجارةً و بدأتُ أُدخِن .
- لقد أتيت .
قالَ يُخاطبني بعدَ أن صعدَ إلى الأعلى ، إفترشَ السجادةَ التي يبدو أنها هي التي تأخرّ من أجلِ إحضارها .
وضعَ ما إشتريناهُ سوياً من مشروبات ثم دعاني للجلوس .
- لا ، من دون السيجارةِ تلك!
قالها و هو يسدُّ أنفه بيدٍ و يبعدني بالأُخرى .
طبعاً ..
كان هكذا دوماً ، يكرهُ عاداتِي القديمة .. رغمَ انهُ لا يعرفُ أصلها .
فقد كانت لي سوابقُ إجرامية ، بسببها هجرني كُلُ أصدقائي ..
إلا هو ؛ قد ظلّ يدعمني إلى أن خرجتُ من السجن .
لذلكَ ليسَ لديَّ صديقٌ إعزُ إليّ منه ، إن كانَ لديّ أصلاً .
- أرمِي السيجارة حالاً وإجلس ، لكي لا تفوتُكَ مُفاجأتي .
أيٌ مفاجأةٍ تلكَ التي يتحدثُ عنها في الظلام ؟ ربما يكونُ قد جُن .
أطفأتها بحذائي ثم جلستُ بجانِبه ، فأطفأ بدورِهِ هوَ الضوءَ الوحيد الذي ينيرُ مكاننا في الأعلى .
فغرِقنا كذلكَ في عتمةِ الأشياءِ من حولنا ..
- إنتظِر قليلاً ، سترى الأضواءَ التي حُرمتَ منها في سجنِكَ ، سأُبهِرُكِ بها!
كانَ يقولها و هو ينظرُ إلى الأعلى مترقِباً ، يتنظِرُ ولوجَ شيءٍ ما في السماء .
رِحتُ أنظرُ بذاتِي إلى السماء أيضاً ، ليسَ فضولاً إنما مجاراةٌ لذاكَ الصديق .
بعدَ بُرهةٍ ظهرَ ما كانَ يقصِد ، فقدْ بانتِ النجومُ في السماء.
- أُنظر لقد ظهَرَت لآن!
لفظها بإنبهار ، و لم أردَ عليه لإعجابي بالمنظر .
هذا ما كانَ يُريدنِي أن أراهُ إذاً ..
لقد عرفتُ الآن ، لا بدّ من وجودِ ثقبٍ في كلِ شيء ..
يتسللُ منهُ النور .
لهذا في الليلِ نجوم ، لهذا بينَ أصدقائي الخائبينَ صديقٌ وفيٌ واحد ..
وهذهِ الفكرة بحد ذاتِها نور .
- أنتَ صديقٌ جيد .
ربتتُ على كتفه ، فأجاب مازحاً :
ومنذُ متى كنتُ غيرَ هذا ؟
ضحكنا معاً ، وأخذنا نتسامرُ بينَ أضواءِ النجوم حتى حلّ الصباح .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق